يؤسفنا أن نكتشف أحيانا أننا قد عشنا في أكاذيب توارثتها الأجيال، واستمرت لعقود وربما لقرون في تاريخ البشرية. ويزيدنا أسفا أنها لا زالت تتكرر دون النظر فيها أو التحقق من صحتها. وهذه الأكاذيب بُنيت على مفاهيم خاطئة، نابعة من عدم التعلم من التجارب الزوجية الفاشلة، فتحولت إلى أسباب قاتلة ومدمرة للإنسان ومُهلكة لحياته.
سنستعرض في عُجالة بعض أشهر المفاهيم الخاطئة عن الزواج:
1. الحب كافٍ لإنجاح الزواج
كان الحبُّ، ولا يزال، وسيظل ركنا ركينا للعلاقة الزوجية، وبالتالي فهو مُهم قطعا، بل في غاية الأهمية لبناء واستدامة العلاقة الزوجية، وعمود أساسي لها. ولكن للأسف، الحبُّ وحده لا يكفي!
ما لم تتوفر توافقات أخرى مهمة بين الزوجين، والتي على رأسها التوافق الفكري، أي تقارب مستوى وتفكير عقل الرجل مع نضج وتفكير المرأة، ستمرُّ الحياة الزوجية بالكثير من المطبات التي ستكون كفيلة بإنهاء العلاقة، أو دخولها في دوامة مستمرة من الخلافات الزوجية المستديمة.
وبالإضافة إلى التوافق الروحي (الحب)، والفكري، لا بد أن تتوفر توافقات وتكافؤات في جوانب عديدة بين الطرفين، من ضمنها التوافق القيمي والمالي والثقافي والاجتماعي وغيرها من التوافقات الضرورية لإنجاح العلاقة الزوجية. وإذا غابت هذه التوافقات، فإن العلاقة ستتأثر بشكل أو بآخر، وأغلب الظن أنها لن تصمد طويلا، بالرغم من وجود الحب لدى الطرفين، فالحب قد يتلاشى تدريجيا مع كل خلاف خلال الزواج.
2. كثرة الأطفال تقوي أواصر العلاقة الزوجية
لا شك أن الأطفال نعمةٌ من نعم الله العظيمة، لكنهم نعمة حقيقية للمتزوجين السعداء، وليس للأزواج الذين تفتقر حياتهم إلى التوافق بين الطرفين.
إذا كان الزوجان متوافقين، وكان اختيارهما لبعض صحيحا، وكان زواجهما قائما على مودة وتفاهم واحترام وأسس متينة فلديهما الأرضية المناسبة لإنجاب أطفال والعيش في سعادة بهم ومعهم. أما إذا كان الاختيار من أساسه خطأ، وكانت العلاقة بين الزوجين هشة أو كئيبة أو متوترة ومليئة بالخلافات، فلن يزيدها قدوم الأطفال إلا تصدعا وهشاشة.
قد يكون الأطفال سببا في إطالة عمر الزواج، لكنهم قد لا ينجحون في تحسين جودته، فإذا كان الزوجان غير متحابين نفسيا، ولا متوافقين فكريا، فلا قدرة للأطفال على جسر الهوة النفسية أو رأب الصدع الفكري بينهما.
وللأسف هناك من نصح، ولا زال ينصح، بعض النساء التعيسات في زواجهن بأن ينجبن أطفالا، أو يزدن من عدد الأطفال بحجة أن ذلك قد يقلل من احتمال الطلاق. ولكن هيهات، فوضعهن الزواجي ازداد سوءا بعد الإنجاب بسبب الانشغال مع الأطفال وكثرة الالتزامات وتعمق الخلافات، فكانوا إجمالا في فئتين: فئة بقيت تعاني أضعاف معاناتهن قبل الإنجاب، وكان الأطفال عقبة في طريق الطلاق بإحسان، والفئة الأخرى طلقت ومعهن أطفال، فشكلوا عبئا إضافيا عليهن، ولو أنهن لم ينجبن، أو لم يكثرن من الأطفال لكان الطلاق مبكرًا أفضل لهن، لأن فرص الزواج مرة أخرى بدون أطفال تكون أكبر في العادة، كما يرى الباحثون أيضا أن الأطفال من الزيجة الأولى يُعتبرون عقبة في نجاح الزيجات التالية، وأنهم من ضمن أسباب الطلاق من الزواج الثاني والثالث1.
3. الزواج يجلب السعادة
إذا كنت تريد السعادة بعد الزواج، فأسعد نفسك قبل الزواج، وكن شخصًا مرحا وبشوشا ومتفائلا، واملأ الدنيا بهجة وفرحا وسرورا.
من كان سعيدا بذاته قبل الزواج، وتزوج شخصا سعيدا ومتوافقا معه على كافة الأصعدة، ففرص ارتفاع مستوى هرمون السعادة لديه ستكون كبيرة. أما إذا كان الإنسان يفتقد إلى السعادة في داخله، فلن يستطعمها، فضلا عن أن يجدها، حتى لو تزوج بشخص سعيد وقادر على جلب السعادة. لأن الطرف السعيد ما هو إلا بشر مثله، وهو أيضا يحتاج إلى طرف آخر سعيد يبادله تلك المشاعر والرؤية الإيجابية، وليس شخصا كئيبا يرمي بثقله وهمومه عليه، ويُفرغ طاقته السلبية على رأسه، ويمتص منه الفرح ولا يعطيه إلا الحزن، لأنه يحيا بقناعة أن الآخرين خُلقوا لإسعاده.
ومهما أحبك الآخرون وسعوا إلى إسعادك، تظل أنت المسؤول الأول عن إسعاد نفسك، أما شريك حياتك فقد يزيدك سعادة على سعادتك من خلال الإضافة التي يحملها معه إلى حياتك، وبما يقدمه لك من دعم ومساندة، وهذا لا يمكن تحقيقه إلا إذا كنت أنت في الأصل إنسانا سعيدا، أو على الأقل لديك بذور وأرضية السعادة، أما إذا كنت تفتقر إليها، وتتوقع بأن شريك حياتك سيكون مسؤولا عن سعادتك بالكامل، فخير لك أن تعيد النظر في هذا الفهم، وتتخلص من هذا الوهم!
لا تحلم بالسعادة وأنت تفتقدها في نفسك، وكن على يقين بأنك ما لم تكن سعيدا بالأصالة فلا أحد يمكنه إسعادك. وأيضا، لا تُمنّي نفسك بإسعاد شريك حياتك ما لم تكن شخصيته تتمتع بقدر من السعادة والاستقرار النفسي.
4. تزوجه الآن وغيّره لاحقا
قد يطمع أحد الناس في الزواج بشخص بعينه لأنه معجب به، أو ببعض مغرياته الشكلية، أو المادية أو غيرها، وفي نفس الوقت غير راضٍ عن بعض صفاته السلوكية أو طباعه أو قناعاته، فيتزوجه ويُضمر في نفسه نية تغييره بعد الزواج. وهذا للأسف ما هو إلا خداع للنفس بقدر ما هو خداع للآخر.
تؤكد الدراسات أن التغيير ليس أمرا هينا2، فلا أحد يستطيع أن يغيّر أحدا إلا إذا أراد هو تغيير نفسه، بل ربما يفشل هو نفسه أحيانا في إحداث التغيير حتى وإن تمناه. وبشكل عام، قد يكون تغيير السلوك ممكنا -طوعا أو كرها- مع صعوبته طبعا، بيد أن تغيير القناعات يُعَدّ أكثر صعوبة، لكنه يظل ممكنا، مع أنه يحتاج إلى فترة زمنية طويلة، أو حجج قوية، أو أدلة وبراهين دامغة، أو ربما صدق النية في التغيير، وهمّة عالية له. أما تغيير جوهر الشخصية فيكاد يكون مستحيلا، لأنها متأصلة في تكوينة الإنسان وتركيبته الجينية.
فعلى سبيل المثال، لن يتغير من كان شديدا في طبعه، والشخص الهين اللين لن يتغير، والكريم لن يتغير، ولا البخيل يتغير مهما تغيرت ظروفهم، وينطبق الأمر على ما يُسمّى بالصفات الخمس الكبيرة3 (The Big Five)، ومن ضمنها صفتا الاجتماعي والانطوائي. ولهذا يجب ألا يسعى الأبوان لتزويج ابنهم المنحرف أخلاقيا، أو صعب الطباع، من فتاة خلوقة وصالحة بنيّة ترويضه أو علاجه أو تغييره، لأنه لن يتغير جذريا، بل ستتورط فيه الزوجة الغافلة، فيكون والدا الشاب قد ارتكبا جريمة أخلاقية واجتماعية في حقها وحقه مدى الحياة.
إن من يرتبط بشخص بنية تغييره جوهريا مستقبلا، سيُصدم ويندم ويخسر حياته وجهده وسعادته، وربما يخسر شريك حياته، فالقصير لن يُصبح طويلا مهما فعلت، ولذلك، إذا لم تتقبل عيوب الطرف الآخر من البداية فلا ترتبط به!
5. كثرة المال تجلب السعادة الزوجية
ترى بعض العائلات أنه كلما كان العريس أغنى كلما كان أقدر على توفير حياة زوجية أسعد لابنتهم، وهناك أيضا الكثير من الفتيات يحملن نفس القناعات فيُركّزن على وزن محفظة العريس وجيبه، بدلا من التركيز على أصالة معدنه وخلقه ودينه.
لا يُنكر عاقل أن المال مُهم في الحياة عموما، وفي الزواج خصوصا، لكن ذلك لا يعني أن كثرته تجلب السعادة. المال قد يجلب المتعة المؤقتة فقط، لكنه لا يستطيع شراء السعادة، وقد أثبتت دراسة لجامعة برينستون الأمريكية أن تأثير المال على السعادة محدود جدا ويتناسب طرديا إلى قيمة معينة قُدّرت بمبلغ 75 ألف دولار سنويا4، ثم يكاد تأثيره ينعدم.
كما أن الواقع يؤكد أن الغنيّ ما لم يكن صاحب قيم ومنضبط شرعا وخلقا فلا يؤمن جانبه، لأنه قد يستبدلك في أول خلاف. وأيضا للنجاح ضرائبه، فالناجحون ماليا من الرجال هم عادة أقلهم وقتا وقدرة على إشباع عواطف المرأة، وذلك لأن نجاحهم له ثمن مرتبط بالوقت والجهد والمشاغل التي لا تنتهي، وفي الغالب تدفع الزوجة الموهومة ضريبة انشغال زوجها بجمع المال وإعطائه الأولوية على حساب العلاقة الزوجية.
وللأسف، بعض الأغنياء قد ترى ثراءهم من بعيد، وربما تنبهر به، لكنك قد لا ترى حجم السعادة عليهم بنفس حجم قصورهم وفخامة سياراتهم، حتى وإن ادعوها في منشوراتهم، وزينوا بها صفحاتهم على قنوات التواصل الاجتماعي، لأن ما عندهم متعة والناس تُسمّيها خطأ سعادة، والفرق بينهما كبُعد الأرض عن جو السماء.
ذكرنا هنا بعض الأكاذيب والمفاهيم الخاطئة، ولا زال غيرها الكثير، فصلناها في دورة "البحث عن الكنز"، فكنزك الحقيقي هو نصفك الآخر، وتوأم روحك، وشريك عمرك، ومرآتك التي ستَعكس أجمل ما فيك.
هذه الدورة تختلف عن غيرها من الدورات، فهي شاملة ومتكاملة، من الفكرة إلى الدُّخلة، بل وحتى شهر العسل.
وكجزء من الدورة، صممنا لك اختبارا ومقياسا مجانيا لتحليل الشخصية، فإذا أحببت أن تُجري الاختبار وتعرف نمط شخصيتك بالتحديد، اضغط هنا.
وأيضا يمكنك الحصول مجانا على "خريطة الكنز" وهي بمثابة خارطة طريق مبسطة توضح لك المراحل الرئيسية التي ينبغي اتباعها للوصول إلى شريك الحياة الأنسب لشخصيتك.
وإذا أعجبك هذا المقال فشاركه مع غيرك لتعميم الفائدة، ولا تنس الاشتراك معنا في قناة اليوتيوب، لكي يصلك كل جديد، وأيضا متابعتي على قنوات التواصل الاجتماعي SOCIAL MEDIA LINKS
عبد الباسط الحمادي
1 موقع https://www.bikellaw.com/blog/9/remarriage-after-divorce-what-are-your-odds/
2 موقع https://www.health.harvard.edu/mind-and-mood/why-behavior-change-is-hard-and-why-you-should-keep-trying
3 موقع https://www.healthline.com/health/do-people-change#how-it-happens
4 موقع https://www.cnbc.com/2019/09/05/can-money-buy-happiness-debate-study-on-success.html