يونيو 19

المرأة والرجل من كوكبين مختلفين

إذا امتلك الإنسان قدرا من الثقافة الانثروبولوجية أو السيكولوجية، أو خاض تجربة الزواج لفترة طويلة، فسوف يدرك تماما أنه رغم المشتركات الكثيرة بين المرأة والرجل إلا أنهما مخلوقان مختلفان قلبا وقالبا، وبينهما اختلافات كبيرة على عدة مستويات، جسدية ونفسية وفكرية وميول واهتمامات وغير ذلك من الاختلافات الجوهرية التي تحدد طريقة حياة كل طرف وسلوكياته وردود فعله تجاه الأحداث، مما حدا بالكاتب الأمريكي جون غري بإطلاق عنوان "الرجال من المريخ، والنساء من الزهرة" على كتابه الشهير الذي تناول فيه الفروق النفسية الجوهرية، بما يشمل اختلاف طريقة التفكير والتعبير بين النساء والرجال1.

ولهذا تُعتبر الفروق بين الجنسين من أهم المعلومات التي ينبغي على كل مقبل على الزواج أن يتمكن منها قبل أن يرتبط برابطة الزواج.

وجدير بالذكر أنه لا أفضلية لأحد الطرفين على الآخر، فالاختلاف المميز بين المرأة والرجل يُعتبر اختلاف تنوع، والعلاقة بينهما تكاملية، ذلك لأن الشراكة الزوجية تتطلب الخصائص التي يمتلكها كل جنس، فهي خصائص فطرية مرتبطة بخلقة الإنسان، ولا يمكن لأي طرف أن يمتلكها نيابة عن غيره.  فلا يستطيع الرجل أن يُقدّم للعلاقة الزوجية ما تُقدّمه المرأة، ولا المرأة تستطيع أن تحلّ محلّ الرجل. فذلك قانون طبيعي يتماشى مع نواميس الكون ومتطلبات الحياة، ويتوافق مع الخِلقة التي خلقنا الله سبحانه وتعالى عليها، ولا تبديل لخلق الله2.

كل جنس يتميز عن الآخر بمزايا مختلفة، وكل طرف محتاج إلى الطرف الآخر حتى تكتمل حياته ويسكن، كما ذكر الله عز وجل في كتابه الكريم: "لتسكنوا إليها"3، فيسكن ويستقر نفسيا وفكريا وروحيا واجتماعيا.

وبالتالي على كل مقبل على الزواج إدراك ومعرفة نقاط كثيرة تبدأ باقتناعه أن الطرف الآخر كيان مختلف عنه، فذلك أول مبدأ عليه الاقتناع به، لأنه ما لم يدرك هذا الأمر فسيعامل الطرف الآخر بناء على فهمه لنفسه، واعتمادا على معرفته لبني جنسه. وهذا فيه الصواب وفيه الخطأ.

قد لا يكون لهذه المسألة وزن كبير قبل الارتباط، لكن الزواج يفرض على كل طرف معاملة الآخر باحترام كامل، ولن تتمكن من احترامه ما لم تفهمه وتفهم الاختلاف بينك وبينه، وتتفهم احتياجاته، وتراعي طبيعته التي خُلق عليها.

فهمك للاختلافات بين الجنسين يسهل عليك التعايش مع نصفك الآخر، ويفتح لكما أبواب الاستمتاع بالوقت والحياة معا، فتبذر بذور السعادة في حياتكما الزوجية التي قد تمتد لعقود طويلة.

الرومانسية العذبة

لا يخفى أن المرأة -عموما- تعيش بالعاطفة، وتتنفس بالحب، وتتلذذ بالمشاعر الرقيقة، وتسافر إلى عوالم رومانسية وسيعة الفضاء. هذه العوالم لم يوفق الكثير من الرجال في زيارتها فضلا عن الإقامة فيها. فلسان حال الكثيرين منهم يقول "إنما يبكي على الحب النساء". وهذا لا يعني أبدا أن جميع الرجال يعانون من القحط العاطفي، بل إن منهم من وهبه الله قلبا رطبا عاشقا تفوّق به على قلوب العذارى، وقائمة المشاهير في التراث الشرقي والغربي طويلة، نذكر منهم مجنون ليلى، وجميل بُثينة، وكُثيّر عزة، وغيرهم. لكنهم قلة مقارنة بعدد الرجال.

والمقصود هنا هو أن ميل المرأة للعاطفة في العادة كبير جدا، مما يؤهلها لتكون نبعا للحنان لا ينضُب ولا يعتريه الجفاف. وبالتالي على الرجل تفهم طوفان العاطفة لدى المرأة، ومقابلته بما يكافئه من مشاعر فياضة وعواطف صادقة ورومانسية حضارية لا تجعلها تُفرغ هذه الطاقة العاطفية فحسب، بل تُسلّمه مفتاح قلبها، وتُغدق عليه من خيراتها، وتعطيه أفضل ما عندها، وذلك سيعود عليه وعليها بالمتعة والفرح والسرور.

القِوامة المُرهقة

وقد تربى معظم الرجال عبر التاريخ على أنهم الفرسان وحماة الأهل والديار، كما أن القِوامة تدفع الرجل إلى الشعور بأنه المسؤول عن توفير الحماية لزوجته وأسرته والدفاع عنهم. كما يعتبر الرجل نفسه معيلًا لزوجته وأطفاله، وبالتالي يسعى للعمل بكافة السُّبل المتاحة لتوفير الرزق لهم. وقد يتحرج، بل ربما لا يرضى أن تُصادر المرأة دوره هذا بالكامل، وهذا لا يعني أنه لا يقبل المساعدة أحيانا، لكن ليس المصادرة التامة.

ولحساسية الأمر، قد يتأثر الرجل نفسيًا ويُحبط إذا فشل في القيام بدوره، أو لم يتمكن من توفير الحماية أو المعيشة الكريمة لزوجته وأطفاله، مما يؤدي إلى توتر وربما اكتئاب قد يودي به إلى التهلكة، فالأرقام تقول بأن الرجال هم أكثر الجنسين موتا بالانتحار بما يصل إلى أربعة أضعاف4. وهذه الضغوط كثيرة التنوع والتعقيد أحيانا تستوجب على المرأة مراعاة مشاعر زوجها واحترام دوره، وعدم الضغط عليه، أو إهانته في حال لم ينجح في توفير رغباتها بالقدر المطلوب. بل عليها تقدير جهوده المضنية في توفير لقمة العيش، أيّا كان مستوى تلك اللقمة طالما أنه لا يدّخر جهدا في جلبها، فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها. وكلما قدّرت المرأة جهود زوجها وساعدته على مواجهة تحديات الحياة العصيبة كلما شحنته بطاقة إيجابية لبذل المزيد من الجهد، ودفعته لا شعوريا إلى الاستماتة في توفير طلباتها وتدليلها بمستوى يليق بها.

الأمومة الرائعة

وبالمقابل، للمرأة دور فطري مشبع بالعاطفة الجياشة التي تؤهلها لدور الأمومة التي يستحيل على الرجل أن ينوب عنها فيها، فبما أنه لا يعيش تجربة الحمل والإنجاب، لن يتمكن من تقدير حجم مشاعرها وعاطفتها وتعلقها به وبأطفالها. ولن يستطيع أن يستوعب قدرتها فوق العادية في الصبر عليهم، وأحيانا القيام بمهام منزلية متعددة في نفس الوقت. وتوفر عاطفتها وحنانها لزوجها وأطفالها، وهذا الحنان لا يقتصر على مرحلة عمرية معينة بل يمتد طول عمرها ما دام فيها عرق ينبض بالحياة. وذلك يتطلب من الرجل أن يُقدّر جهودها المبذولة على مدار الساعة، ويُسمعها أعذب الكلمات، ويُقبّل يديها على كل رعاية تقدمها، ويساعدها في تلك الأعباء ما استطاع إلى ذلك سبيلا. ولا يكتفي بذلك، بل يكون عونا وسندا حقيقيا لها، لأن ذلك يعينها على أن تلتقط أنفاسها، وتشحن بطاريتها، وترجع إلى الحلبة بقوة وحماسة.

التعبير عن المشاعر

من ضمن الفروق أيضا، أن الرجال عادة ما يميلون إلى قلة الكلام والاختصار والنظرة الإجمالية إلى الأمور، بينما تميل المرأة في العادة إلى الفضفضة والدردشة، ومشاركة مشاعرها مع الآخرين، وربما تُكثر من الكلام، وتخوض في تفاصيل قد يضيع الرجل في ثناياها. وبالتالي، يمكن أن يشرد بعض الرجال بعيدا عندما تُكثر المرأة من الكلام، أو ربما يملُّ بعد فترة من الاستماع، وقد يُعبّر عن استياءه، أو يطلب منها الاختصار، مما قد يزعجها ويجعلها تشعر بعدم اهتمامه بها، وربما تساورها الظنون والشكوك فتتهمه بعدم حبه لها.

لكن ذلك قد لا يكون حقيقيا دائما، فصَمتُ الرجل قد يعني انشغاله ذهنيا بمشكلة تؤرقه، وليس بالضرورة غاضبًا من زوجته، أو يتعمد إهمالها، أو لم يعد يحبها، أو يفكر في غيرها كما قد تظن بل هو على الأرجح يفكر ليجد حلا لإشكال، أو للإجابة عن سؤال، أو للوصول إلى قرار. وقد لا يبرر صمته هذا لها ظنا منه أنه مفهوم لزوجته. وقد لا يتحدث بما يدور في خلده، إلا إذا عجز عن الوصول إلى حلّ، فيلجأ للحديث من باب الاستعانة للوصول إلى حلّ، وليس لذات الحديث.

بينما المرأة في العموم إذا تحدثت واشتكت فهي تفضفض للتنفيس عن نفسها، وتبحث غالبا عن مواساة نفسية، وأحيانًا تحب فقط أن تشارك مكنونات صدرها لشخص آخر حتى تتقاسم معه المشاعر أو الهموم، وتشعر بأنها أزاحت عبئا عن صدرها، وربما طمعا في بعض "الطبطبة" التي تطمئنها وتريح بالها، وخصوصا إذا جاءت هذه الطبطبة من شخص مُحبّ تشعر معه بالأمان النفسي، ولا أحد أولى بهذا الدور من زوجها وحبيبها وتوأم روحها.

ولذا، من المهم أن يفهم كل طرف طريقة تفكير وشعور الطرف الآخر حتى يتمكنا من التعايش بسلام وسعادة ووئام.

التسوّق المُشاكس

تميل المرأة إلى التسوق، ويملّ الرجل من التسوق

من الشائع والمعروف ميول معظم النساء إلى التسوق، ففي الغالب تعتبره المرأة نوعًا من المتعة، وتتلذذ بقضاء ساعات في الأسواق تقارن فيها بين الملابس والمكياج، أو غيرها من السلع والخدمات. بينما ينظر معظم الرجال إلى التسوق على أنه حاجة أو ضرورة ينبغي التعامل معها والانتهاء منها بسرعة، وبالتالي يملّون من التسوق في وقت قياسي مقارنة بالنساء، وبالتالي قد تنشب بينهم الخلافات بسبب الاختلافات في النظر إلى الموضوع. وفي هذا الصدد، تذكر إحدى الدراسات البريطانية أن 80% من الرجال لا يحبون التسوق مع زوجاتهم، وأن حوالي 50% من مشاوير التسوق تنتهي بخلافات بين الزوجين5.

الخلاصة أن الجنسين مختلفان في جوانب عديدة، ومعرفة الفروق بينهما تعتبر مسألة في غاية الأهمية قبل الزواج، لأن فهمها يساعد على تعظيم مساحة السعادة، وتقليل أسباب التوتر، وتقليص أرضية الاختلاف الذي قد يتطور ويصبح خلافا قد يُنهي العلاقة الزوجية على المدى الطويل.

ذكرنا هنا بعض الفروق الجوهرية بين الجنسين، ولا زال غيرها الكثير فصلناها في دورة "البحث عن الكنز"، فكنزك الحقيقي هو نصفك الآخر، وتوأم روحك، وشريك عمرك، ومرآتك التي ستَعكس أجمل ما فيك.

هذه الدورة تختلف عن غيرها من الدورات، فهي شاملة ومتكاملة، من الفكرة إلى الدُّخلة، بل وحتى شهر العسل.

وكجزء من الدورة، صممنا لك اختبارا ومقياسا مجانيا لتحليل الشخصية، فإذا أحببت أن تُجري الاختبار وتعرف نمط شخصيتك بالتحديد، اضغط هنا.

وأيضا يمكنك الحصول مجانا على "خريطة الكنز" وهي بمثابة خارطة طريق مبسطة توضح لك المراحل الرئيسية التي ينبغي اتباعها للوصول إلى شريك الحياة الأنسب لشخصيتك.

وإذا أعجبك هذا المقال فشاركه مع غيرك لتعميم الفائدة، ولا تنس الاشتراك معنا في قناة اليوتيوب، لكي يصلك كل جديد، وأيضا متابعتي على قنوات التواصل الاجتماعي SOCIAL MEDIA LINKS

عبد الباسط الحمادي


Men Are from Mars, Women Are from Venus, John Gray, 1992 1

2 إشارة إلى قوله تعالى: " فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ" (الروم: 30)

3 جزء من الآية الكريمة: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" (الروم: 21)

4 موقع بي بي سي: https://www.bbc.com/future/article/20190313-why-more-men-kill-themselves-than-women

5 موقع سيكولوجي توداي https://www.psychologytoday.com/gb/blog/out-the-darkness/201402/why-men-dont-shopping-and-most-women-do


Tags


You may also like

{"email":"Email address invalid","url":"Website address invalid","required":"Required field missing"}

Get in touch

Name*
Email*
Message
0 of 350