يونيو 19

عدم التخطيط للزواج هو تخطيط للفشل

"الزواج بدون تخطيط عبارة عن سفر نحو المجهول"

عبد الباسط الحمادي

من نافلة القول أن الارتباط بين الرجل والمرأة يُعدُّ أساسًا من أساسيات الحياة، فهو استجابة فطرية لضرورات بيولوجية وحاجات سيكولوجية تقتضيها طبيعة الإنسان وخلقته. وقد شرع الله سبحانه وتعالى الزواج كتنظيم وتقنين للعلاقة الحساسة بين الجنسين، واعتبرها آية من آياته العظيمة التي تستدعي التدبر والتفكر والشكر، حيث يقول تبارك وتعالى في كتابه الكريم:

﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾1

وبالتالي يُعتبر الزواج بمثابة السكن والاستقرار والطمأنينة والراحة النفسية، فالتعبير القرآني البليغ: "لتسكنوا إليها" دقيقٌ جدا وواسعٌ في ذات الوقت ليشمل كافة أنواع السكن.. الجسدي والنفسي والفكري والروحي.. وكل ما يُسكِنُ الإنسان.. أي سكنٌ شاملٌ ومتكامل.

ولكن للأسف، لم ينعم كل إنسان بهذا السكن الزوجي؛ ولا يقتصر الأمر على العُزّاب الذين لم يتزوجوا بعد، بل حتى المتزوجين منهم!

من خلال علاقاتنا الاجتماعية المتشعبة، واحتكاكنا بثقافات شتى وجنسيات عديدة، يعلم الكثير منا بأن بيوت مُعظم المتزوجين تكاد تخلو من السعادة والهناء، فقطعا ليس كل متزوج أو متزوجة سعداء في زواجهم، وأن الكثير منهم لم يتمتعوا بهذا "السكن" الذي يُعتبر الهدف الأساسي من الزواج. ومعلوماتنا هذه لم نستقيها من خلال ملاحظاتنا فحسب، بل تؤكدها الأرقام والإحصاءات، فعلى سبيل المثال، ذكر المؤلف دانا آدم شابيرو  في كتابه الشهير "إما أن تكون مُحقّا أو متزوجا"2 أن السعداء في زواجهم لا يتجاوزون نسبة 17% من مجموع المتزوجين الذين أجرى معهم المقابلات، وهم من أعمار متفاوتة.  كما ذكر باحثون آخرون معلومات تفيد بنتيجة مشابهة، بينما أكدّت دراسة أجراها مركز الأبحاث التابع لجامعة شيكاغو الأمريكية بأن التوجه العام للعلاقات الزوجية يشير إلى أن هذا الوضع يزداد سوءا مع الزمن.3

وعادة ما ينظر الشاب الأعزب أو الفتاة العزباء إلى نظرائهم من المتزوجين والمتزوجات بعين الغبطة، ولسان حالهم يقول: "هنيئا لكم"، أو "يا لحظكم السعيد"، وما شابه من عبارات الفرح والتهنئة الممزوجة بالتمنى، لأنهم يتوقعون أن كل المتزوجين، أو على الأقل معظمهم، يعيشون في رغد من العيش ونعيمه، ولا يعلمون أن الكثير من المتزوجين يدركون بأنهم في نقمة وورطة حقيقية، ولا توجد خيارات أمامهم إلا تحمّل المعيشة النكدة أو الطلاق وتبعاته الأليمة.

إن نسب الطلاق حول العالم عموما، بما في ذلك عالمنا العربي والشرقي، تُعتبر صادمة، بل مُروّعة، وأحيانا في ازدياد مخيف، فقد وصلت حالات الطلاق في إحدى الدول العربية إلى حوالي 218 ألف حالة طلاق في عام 2020 4، بينما بلغت أعلى نسبة طلاق عالميا 87%5، وأهم سبب من أسباب الطلاق على الإطلاق هو عدم التوافق بين شخصية الزوج وشخصية الزوجة6 حيث بلغ نسبة 44%.

إذن سبب الطلاق الأول هو عدم التوافق بين الشخصيات، وهو السبب الرئيسي في تعاسة الحياة الزوجية.  وعدم التوافق ناتج عن الاختيار الخاطئ لشريك العمر، أي أن الارتباط خطأ من الأساس، وغير قائم على معايير واضحة، ولا قرارات صائبة، ولا دراسة متأنية ووافية لشخصية الطرف الآخر للتأكد من أنه الشخص المناسب الذي سنعيش معه في سعادة بقية العمر.

الكثير من الأزواج والزوجات غير السعداء في حياتهم الزوجية يرون أنهم ضحية الاختيار الخاطئ، وأنهم لا زالوا يدفعون ثمن عدم استعدادهم للزواج، وعدم أخذه على محمل الجد، فمحدودية خبرتهم في حينها، وعدم خوض تجربة شبيهة سابقا، وعدم تقدير أهمية هذا القرار الاستراتيجي، كلها أسباب تؤدي إلى عدم التوافق بين الشخصيتين، ومن ثم تؤدي إلى فشل الزواج.

ولا نستغرب حين نسمع الكثير من هؤلاء التعساء يقولون بأنه لو عاد بهم الزمان فلن يرتكبوا هذا الخطأ الفادح الذي ورّطهم في زيجات غير ناجحة، وبعضهم اقتنع بأنه لا يهم كم الوقت الذي يقضونه في البحث عن الشخص المناسب، حتى لو استغرق منهم نصف العمر، فعلى الأقل يستمتعون في نصفه الآخر.

ويؤكد العديد من المسؤولين في البلدان العربية أن الشباب في العادة يَعتبرون أن الزواج مسألة فطرية ولا يحتاج إلى استعداد واطلاع وفهم، بينما لا يدركون أنهم يتخذون أهم وأخطر قرار في حياتهم، وأنه قرار استراتيجي مصيري سيؤثر عليهم بقية العمر، فإما أن يعيشوا في سعادة وهناء، أو جحيم وشقاء، أو ربما يجدون أنفسهم أمام الطلاق وما يَجرُّه من مآسٍ نفسية ومادية واجتماعية، وغيرها من الكوارث التي قد تلاحق المطلقين بقية حياتهم، خصوصا لو نتج عن تلك الزيجات أطفال أبرياء سيضطرون إلى دفع ضريبة قرار هذا الزواج الخاطئ الذي تساهل فيه الزوجان ولم يعطياه القدر الذي يستحقه.

في أيام الشباب، ونشوة الحب، والبحث عن الشريك الوردي في زحمة الناس، قد ينجرّ البعض وراء المشاعر المُسكرة والعاطفة العمياء، أو ربما يركب أحدهم موجة الزواج مثل بقية أصحابه، فيتزوج كما تزوج الذين من قبله، بشكل متسرع، ودون تفكير جدّي في الموضوع ومآلاته، ودون دراسة وافية للطرف الآخر الذي سيرتبط به طول عمره.

من المحزن فعلا أن يُقبل الكثير من الشباب على الزواج بدون وقفة حقيقية مع ذواتهم وفهمها بعمق، وبدون أبسط تخطيط لهذا المشروع الخطير. وللأسف نجد معظم هؤلاء التعساء في نهاية المطاف يعضون أصابع الندم على تسرعهم، وسوء اختيارهم لشريك حياتهم.

ولكن عندما تقع الفأس في الرأس، يدرك الإنسان أن الزواج موضوع لا يتسم بالسهولة التي توقعها، بل إنه محفوف بالتحديات الجسيمة، التي تقتضي منه استعدادا جيدا، وأن الزواج يتطلب فهما عميقا لمعناه، والالتزامات المترتبة عليه، على كافة الأصعدة، بما في ذلك المشاعر والمال والوقت والجهد والمسؤوليات والأطفال، وغيرها من الالتزامات التي يكتشف الكثير من الناس أنهم ليسوا أهلا لها ولحملها الثقيل، ولكن متى يكتشفون ذلك؟ للأسف بعد فوات الأوان في كثير من الأحيان، كما قال الشاعر ابراهيم ناجي في قصيدته الشهيرة "الأطلال":

وَٱنْتَبَهْنَا بَعْدَمَا زَالَ ٱلرَّحِيقْ

وأَفَقْنَا.. لَيْتَ أنَّا لَا نُفِيقْ

ولهذا السبب صممنا لك دورة "البحث عن الكنز"، لأن كنزك الحقيقي هو نصفك الآخر، وشريك حياتك، وتوأم روحك، وفرحة عمرك، ومرآتك التي ستعكس أجمل ما فيك.

هذه الدورة تختلف عن غيرها من الدورات، فهي شاملة ومتكاملة، من الفكرة إلى الدُّخلة، بل وحتى شهر العسل.

وكجزء من الدورة، صممنا لك اختبارا ومقياسا مجانيا لتحليل الشخصية، فإذا أحببت أن تُجري الاختبار وتعرف نمط شخصيتك بالتحديد، اضغط هنا.

وأيضا يمكنك الحصول مجانا على "خريطة الكنز" وهي بمثابة خارطة طريق مبسطة توضح لك المراحل الرئيسية التي ينبغي اتباعها للوصول إلى شريك الحياة الأنسب لشخصيتك.

وإذا أعجبك هذا المقال فشاركه مع غيرك لتعميم الفائدة، ولا تنس الاشتراك معنا في قناة اليوتيوب، لكي يصلك كل جديد، وأيضا متابعتي على قنوات التواصل الاجتماعي SOCIAL MEDIA LINKS

عبد الباسط الحمادي


1 سورة الروم، الآية 21

2 Dana Adam Shapiro, You Can Be Right or You Can Be Married, 2012

3 دراسة لمركز الأبحاث التابع لجامعة شيكاغو National Opinion Research Center (NORC) at the University of Chicago, USA, 2014

4 الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، مصر، وفقا لصحيفة أخبار اليوم على الرابط: https://m.akhbarelyom.com/news/newdetails/3301942/1

5 موقع Unified Lawyers, https://www.unifiedlawyers.com.au/blog/global-divorce-rates-statistics/

6 المرجع السابق


Tags


You may also like

{"email":"Email address invalid","url":"Website address invalid","required":"Required field missing"}

Get in touch

Name*
Email*
Message
0 of 350